المجلس الثامن والثلاثون
تيسير علم المواريث
تابع الإرث بالتقدير
خامسًا:: ميراث الغرقى والهدمى ومن في حكمهم
من أقدار الله تعالى أن يلاقي بعض الناس مصرعهم نتيجة حادث أليم ، كغرق ، أو حريق ، أو هدم ، أو وباء ، أو أي كارثة ، فينتج عن هذا موت أشخاص وأحيانًا عائلات بأكملها ،فقد يركب أخوان في طائرة أو سفينة ، فتتحطم الطائرة ، أو تنقلب بهما السفينة ، فيصيبها الحرق أو الغرق
وقد يتسمم بعض أفراد الأسرة بتناول طعام ملوث فيموت منهم أفراد ، أو أي كارثة ينتج عنها موت بعض الورثة .
فكيف نورث بعضهم من بعض ؟
- ورد في كتاب : رد المحتار على الدر المختارمحمد أمين بن عمر (ابن عابدين:كتاب الفرائض » فصل في الغرقى والحرقى وغيرهم:
لَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى إلَّا إذَا عُلِمَ تَرْتِيبُ الْمَوْتَى فَيَرِثُ الْمُتَأَخِّرُ، فَلَوْ جُهِلَ عَيْنَهُ أُعْطِيَ كُلٌّ بِالْيَقِينِ وَوُقِفَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحُوا .هنا-
فلوجُهِلَ موتُ الأسبقِ، أو ماتوا معًا، ولم يُعلم موتُ المتقدم منهم من المتأخرِ.
فحكمهم في الميراث:
ألا يرث أحدٌ منهم من الآخرِ الهالك معه، بل تكون تركةُ كلٍّ منهم لباقي ورثته، وكأنّ لا قرابة بينهم ،وذلك لفقد شروط الإرث وهو: تحقّق حياة الوارث عند موت المورِّث.إعانة الطالب في بداية علم الفرائض- المؤلف: أحمد بن يوسف بن محمد الأهدل-هنا-
تفصيل ذلك :إذا مات متوارثان فأكثر بهدم أو غرق أو حرق أو طاعون أو حادث سيارة أو طائرة، أو نحو ذلك فلهما خمس حالات:
—الأولى: أن يتأخر موت أحد المتوارثين، ولو بلحظة، فيرث المتأخر المتقدم إجماعًا-لتحقق شرط الميراث ، وهو تحقق حياة الوارِثِ بعد موتِ المورِّث . ثم بعد موت الثاني ينتقل ميراثُهُ إلى ورثته–
وصورتها :
غرق أخوان، فمات أحدهما ، ثم بعد ساعة مات الآخر .
الحل :
الأخ الثاني : الذي عاش بعد موت أخيه يرث من أخيه الأول مع بقية الورثة الموجودين .
ثم بعد موت الأخ الثاني ، ينتقل ميراثه وكل تركته إلى ورثته .
—الثانية: أن يتحقق موتهما معًا، فلا إرث بينهما إجماعًا.
، لانعدام شرط الميراث ، فلم تتحقق حياة الوارث بعد موت المورث. ويكون مالُ كل واحد منهما للأحياء من ورثته .
وصورتها :
تُوفيَ أخوانِ في حادثٍ ، وكانت وفاتُهُمَا في وقتٍ واحدٍ . وترك كلُّ واحدٍ منهما ورثتَةُ ،ومالًا .
الحل :
لا توارث بينَ الأخوينِ وكأنّ لا قرابة بينهما ،وذلك لفقد شروط الإرث وهو: تحقّق حياة الوارث عند موت المورِّث.. ويوزع مالُ كلِّ واحدٍ منهما على الأحياءِ من ورثتِهِ .
—الثالثة: أن يُجهلَ الحالُ، فلا يُعلم أماتا معًا أم سبقَ أحدُهُما الآخر؟
— الرابعة: أن يُعلم سبق أحدهم الآخر لا بعينه.
— الخامسة: أن يُعلم السابق بالموت، ثم يُنسى.
وقد حصل الإجماع -كما ذكرنا- في الحالتين الأوليين،
والنزاع أو الخلاف حاصل في الحالات الثلاثة الأخيرة:
*فمذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية وهو الراجح أنه لا يرث أحد الأموات من الآخر، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وجده المجد -رحمهما الله- قال النووي في المنهاج:ولو مات متوارثان بغرق أو هدم أو في غربة معًا أو جُهل أسبقهما، لم يتوارثا، ومالُ كلٍّ لباقي ورثته.انتهى
وقال صاحب تنوير الأبصار -وهو حنفي:
"لَا تَوَارُثَ بَيْنَ الْغَرْقَى وَالْحَرْقَى إلَّا إذَا عُلِمَ تَرْتِيبُ الْمَوْتَى فَيَرِثُ الْمُتَأَخِّرُ، فَلَوْ جُهِلَ عَيْنَهُ أُعْطِيَ كُلٌّ بِالْيَقِينِ، وَوُقِفَ الْمَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحُوا "ا.هـ
وبهذا قال جماعة من الصحابة، منهم أبو بكر الصديق وزيد بن ثابت وابن عباس كما نقله ابن قدامة في المغني.
ووجه هذ القول: أن من شروط الإرث تَحَقُّق حياة الوارث بعد موت المورِّث، وهذا الشرط ليس بمتحقق هنا، بل هو مشكوك فيه، ولا توريث مع الشك في السبب، ولأن حال الغرقى والحرقى ومن ماتوا في الهدم مجهول بالنسبة لنا، والقاعدة أن "المجهول كالمعدوم ما دام مجهولاً" لأن توريث بعضهم من بعض يلزم منه التناقض، إذ مقتضى كون أحدهما وارثًا، أنه متأخر، ومقتضى كونه موروثًا، أنه متقدم فيكون كل واحدٍ منهم متقدمًا متأخرًا، وهذا عين التناقض.
وقد لخص الرحبي-رحمه الله- هذا القول في منظومته في الفرائض فقال:
وإن يمت قوم بهدم أو غرق أو حادث عم الجميع كالحرق
ولم يكن يُعلم حال السابق فلا تورث زاهقًا من زاهقٍ
وعُدَّهم كأنهم أجانب فهكذا القول السديد الصائب
وبِناءً على هذا، فإن كل ميت في هذه الأحوال يُعد أجنبيًا عن الآخر، ويكون مالُ كلِّ واحدٍ منهم لورثته الأحياء دون من مات معه في الحادث.
*وصورتها :
مات أخوان غرقًا ولا يُعْلَم من الأسبق منهما موتًا . وترك كلُّ واحدٍ منهما بنتًا فقط .
الحل :
لا توارث بينهما ، أي لا يرث أحدهما الآخر .
وترثُ مالَ كلِّ واحدٍ منهما " ابنتُهُ " فرضًا وردًّا .
*مثال آخر:غرقت سفينة بأخوين شقيقين ولم يعلم السابق منهما،وترك أحدهما: زوجة وبنتًا ،وترك الآخر: بنتين.
ولهما أي :الشقيقين: عم.
فلا يرث أحدُ الأخوين من أخيه الذي توفي معه شيئًا بل تكون تركة كل منهم لباقي ورثته.
فتقسم تركة الميت الأول بين: زوجته، وبنته، وعمه.
الزوجة: الثمن فرضًا لوجود الفرع الوارث للمتوفى.
البنت : النصف فرضًا لانفرادها وعدم وجود عاصب لها في درجتها.
العم : الباقي تعصيبًا بعد أصحاب الفروض ،عصبة بالنفس.
وتقسم تركة الميت الثاني بين: ابنتيه، وعمه.
الابنتان : الثلثان فرضًا لتعددهما وعدم وجود عاصب لهما في درجتهما .
العم: الباقي تعصيبًا بعد أصحاب الفروض ،عصبة بالنفس.
*المذهب الثاني :
قال به الإمام المبجل أحمد بن حنبل عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وهو قول من قولين له في المسألة: القول الأول وافق فيه الجمهور ، والقول الثاني انفرد به ومذهب الحنابلة على هذا القول، يعني: كُتب المذهب على القول الثاني وهو الذي سأذكره.فقه المواريث للشيخ عبد الرحيم الطحان.
وفيه تفصيل:
أ- أن يختلف الورثة ويدعي ورثة كل ميت تأخر موت مورثهم ،ولم تكن هناك بيِّنَة، أو كانت هناك بينات ولكنها متعارضة، فتتهاتر البينات ولا تقبل، ويستحلف الطرفان إن حلفوا جميعًا، فلا توارث أيضًا.
= قال الشيخ ابن باز رحمه الله في الفوائد الجلية في المباحث الفرضية:
فإذا ادعى ورثة كل ميت تأخُّر موت مورثهم ، ولم تقم بَيِّنَة أو تعارضت بَيِّنَاتُهم ، حَلَفَ كُلٌّ على إبطال دعوى صاحبه ،. ولا توارث حينئذ بين الأموات بل يقسم مال كل ميت على ورثته الأحياء حين موته خاصة.الشيخ ابن باز-
ب- ألا يوجد اختلاف بين الورثة، فعندئذ يرث كل من الميتين من تلاد –قديم-مال الآخر، وهو الذي كان يملكه قبل الموت، ولا يرث من الآخر نصيبه من ميراث الميت الذي مات معه، ويسمى طريفًا؛ أي: جديدًا، ولا يقسم الطريف إلا على الورثة الأحياء لكل واحد؛ وذلك لئلا يؤدي إلى توريث الإنسان من نفسه.هنا -
تِلَادِ مَالِهِ: وَالتِّلَادُ بِكَسْرِ التَّاءِ : الْقَدِيمُ ضِدُّ الطَّارِئِ وَهُوَ الْحَادِثُ ، أَيْ الَّذِي مَاتَ وَهُوَ يَمْلِكُهُ -
كشاف القناع عن متن الإقناع » كتاب الفرائض » باب ميراث الغرقى ومن غمى أي خفى موتهم
والمراد بالطريف : هو ما ورثه من الميت الذي معه .
والتالد في لغتهم : قديم المال والمتاع ، والطارف : حديثه وجديده "
حجتهم:حياة الميت ثابتة بيقين، وموته قبل صاحبه مشكوك فيه، فالأصل الحياة، فنحن لم نخرجه عن الأصل! حياة كل من الأموات ثابتة بيقين، والأصل أنه ما مات، وأنه يرث ممن مات قبله، هذا في جميع الأموات، فهذا الأصل لا نتركه، وموته قبل صاحبه مشكوك فيه، ولا يثبت الحرمان بالشك. فقه المواريث للشيخ عبد الرحيم الطحان.
وكيفية التوريث على هذا القول:
أن يورث كل واحد من تلاد مال الآخر؛ أي: من ماله القديم؛ دون طريفِهِ؛ أي : دون ماله الجديد الذي ورثه ممن مات معه في الحادث، وذلك بأن تفرض أن أحدهم مات أولاً، فتقسم ماله القديم على ورثته الأحياء ومن مات معه، فما حصل لمن مات معه من ماله بهذه القسمة؛ قسمته بين ورثته الأحياء فقط، دون من مات معه؛ لئلا يرث مال نفسه، ثم تعكس العملية مع الآخر، فتفرضه مات أولاً، وتعمل معه ما عملته مع الأول.
والراجح في هذه المسألة هو القول الأول، وهو عدم التوارث؛ لأن الإرث لا يثبت بالاحتمال والشك، وواقع الموتى في هذه المسألة مجهول، والمجهول كالمعدوم، وتقدم موت أحدهم في هذه الحالة مجهول؛ فهو كالمعدوم.
وأيضًا الميراث إنما حصل للحي ليكون خليفة للميت ينتفع بماله بعده، وهذا مفقود هنا، مع ما يلزم على القول بتوارثهم من التناقض؛ لأن توريث أحدهم من صاحبه يقتضي أنه متأخر عنه بالوفاة، وتوريث صاحبه منه يقتضي أنه متقدم، فيكون كل واحد منهما متقدمًا متأخرًا؛ فعلى هذا القول الراجح وهو عدم التوارث يكون مال كل منهم لورثته الأحياء فقط دون من مات معه؛ عملاً باليقين، وابتعادًا عن الاشتباه، والله أعلم.الملخص الفقهي للشيخ الفوزان .
مثال ذلك: زوج وزوجة توفيا في حرب أو غرق أو هدم، ولكل واحد منهما ألف درهم فيُوَرَّثُ الزوجُ من المرأةِ خمسمائة درهم، وتورَّثُ المرأةُ من الألفِ التي كانت بيدِ الزوجِ دون الخمسمائةِ التي وُرِثَتْ منها: ربعها، وذلك مئتان وخمسون.
http://www.nsaaem.com/showthread.php?t=293