المجلس الخامس
التُّحْفَةُ السَّنِيَّةُ بِشَرْحِ الْمُقَدِّمَةِ الآجُرُّومِيَّةِ
بِسْمِ الله الَّرحْمَنِ الرَّحِيمِ
« علامات الفعل»
*اليوم سنعرف علامات الفعل بأزمنته الثلاثة –الحاضر والمستقبل والماضي - .
قال : والفِعْلُ يُعْرَفُ بِقَدْ ، وَالسينِ و" سَوْفَ " وَتَاءِ التأْنيثِ السَّاكِنة .
وأقول:يَتَميز الفعْلُ عن أَخَوَيْهِ الاسمِ وَالْحرفِ بأَرْبعِ علاماتٍ ، متى وَجَدْتَ فيه واحدةً منها ، أو رأيتَ أنه يقبلُها عَرَفْتَ أَنَّه فعلٌ
الأولى" قد" والثانية"السين" والثالثة " سوف " والرابعة"تاءُ التأْنيث الساكنة "
أما " قد"فتدخل على نوعين من الفعل ، وهما : الماضي ، والمضارع.
فإذا دخلت على الفعل الماضي دلَّتْ على أحد مَعْنَيَيْنِ ـ وهما التحقيق و التقريب ـ .
*التحقيق أي تمام حدوث الفعل.التقريب أي قُرب حدوث الفعل.
فمثالُ دلالتِها على التحقيق قولُه تعالى "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ" وقولُه جل شأْنه "لَقَدْ رَضِيَ الله عَنِ الْمُؤْمِنِينَ " وقولُنا " قَدْ حَضَرَ مُحَمَّدٌ" وقولُنا : " قد سافَرَ خَالِدٌ.
" و مثالُ دلالتها على التقريب قولُ مُقيم الصلاة " قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ " و قولك " قَدْ غَرَبَتِ الشَّمْس"
* قَدْ غَرَبَتِ الشَّمْس" إذا قيلت قبل الغروب دلت على قرب غروب الشمس أي التقريب، وإن قيلت بعد الغروب دلت على التحقيق أي تمام حدوث الفعل وهو الغروب . وذلك يُعْرَف من سياق الكلام.
تابع الشارح :إذا دخلتْ على الفعل المضارع دلَّتْ على أحدِ مَعْنَيَيْن أيضًا ـ وهما التقليل ، والتكثير ـ فأما دلالتها على التقليل، فنحو ذلك "قَدْ يَصْدُقُ الكَذُوبُ" و قولك :
" قَدْ يَجُودُ الْبَخِيلُ" و قولك "قَدْ يَنْجَحُ الْبَلِيدُ"
وأما دلالتُها على التكثير ؛ فنحو قولك " قَدْ يَنَالُ الْمُجْتَهِدُ بُغْيَتَه " وقولك " قَدْ يَفْعَلُ التَّقِيُّ الْخيْرَ"
*قلنا التكثير في هذه الجملة لأن الأصل في التقي مظنة أن يصدر منه أفعال الخير. والضابط في جميع الأحوال السياق والمعنى .
" وقول الشاعر :
قَدْ يُدْرِكُ الْمُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ.. وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْمُسْتَعْجِلِ الزَّلَلُ.
وأما السين وسوف: فيدخلان على الفعل المضارع وَحْدَهُ ، وهما يدلان على التنفيس ، ومعناه الاستقبال ، إلاّ أنّ -*الزمنان مختلفان-
" السين"أقَلُّ استقبالاً من " سوف" *أي السين أقل زمنًا من سوف أي أسرع حدوثًا من سوف، فسوف فيها شيء من التراخي زمنًا- فأما السين فنحو قولِه تعالى " سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النِّاسِ" ، "سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ" وأما" سوف "فنحو قوله تعالى " وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى"، " سَوْفَ نُصْلِيهمْ نارًا" ، " سَوْفَ يَؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ "
*من جمال اللغة أن الحرف الواحد يفرق في المعنى
وأما تاءُ التأْنيث الساكنة: فتدخل على الفعل الماضي دون غيره ؛ والغرض منها الدلالة على أنَّ الاسْمَ الذي أُسند هذا الفعلُ إليه مؤنَّثٌّ ؛ سواءٌ أَكان فاعلاً ، نحو " قَالَتْعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤمِنِينَ" أم كان نائبَ فاعل ، نحو " فُرِشَتْ دَارُنَا بِالْبُسُطِ " .
*كما سبق وقلنا من علامات الاسمية أنها تقبل الإسناد أي إسناد الفعل على الاسم الذي هو فاعل أو نائب فاعل ظاهر أو مستتر، أو إسناد الخبر على الاسم الذي هو المبتدأ.فتاء التأنيث الساكنة في أصل وضعها، تدل على أنَّ الاسْمَ الذي أُسند هذا الفعلُ إليه مؤنَّثٌّ.
والمراد أنها ساكنة في أصل وَضْعها – *لكن هذا لا يلزم منه أنها تلزم السكون نطقًا دائمًا فحال نطقها قد يتغير في بعض الأحوال ؛ فلا يضر تحريكها لعارض التخلص من التقاء الساكنين في نحو قوله تعالى :
" وقَالَتِ اُخْرُجْ عَلَيْهِنَّ " ،" إذْ قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ " ، " قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ "
*أين الساكن الذي تسببَ في كسرِ تاءِ التأنيثِ الساكنةِ لتفادي التقاءِ الساكنين؟وقَالَتِاُخْرُجْ : الألفُ التي عليها الضمةُ هذه همزةُ وصلٍ ساكنةٌ ،ولأن العربَ لاتبدأ بساكنٍ فزيدتْ همزة وصل ليمكن وضع شكلة فوقها تقي بدء الكلام بساكن اُخْرُجْ ، لكن لو كنت لن أبدأ الكلام بالكلمة أصبحت همزة الوصل التي وضعناها لنبدأ بها الكلام مشكولة لا حاجة لها فتسقط عند وصل الكلام، ونرجع لأصل الكلمة اخْرج ،الخاء ساكنة ، وتاء التأنيث ساكنة ،فنحرك الساكن الأول الذي هو تاء التأنيث لعارض تفادي التقاء ساكنين .ومثلها إذْ قَالَتِ امْرَأَةُ ، الميم في امرأة ساكنة والعرب لاتبدأ الكلام بساكن فنزيدت همزة وصل ليمكن وضع شكلة فوقها تقي بدء الكلام بساكن .....
قَالَتَا أَتَيْنَا : * أين الساكن ،التاء ساكنة التي هي تاء التأنيث الساكنة،مع ملاحظة أن تاء التأنيت الساكنة زائدة وليست من أصل الكلمة.بعد تاء التأنيث الساكنة ألف التثنية ضمير ساكن وهي ساكنة ،فحركت تاء التأنيث الساكنة بالفتح تحريك عارض بحركة تناسب الألف وهي الفتح ،لتفادي التقاء الساكنين.
فائدة: تاء التأنيث الساكنة لابد تتوافر فيها كل شروطها لنطبق عليها هذه الأحكام، أن تكون تاء ، تدل على التأنيث، وساكنة وزائدة وليست من أصل وبِنْيَةِ الكلمة، وهي لامحلَّ لها من الإعراب .فكلمة :بيت :التاء هنا ليست تاء تأنيث ،فهذه تاء من بنية الكلمة.ومثل:شجرة:فهذه تاء ودلت على التأنيث،لكنها غير ساكنة.نبتتْ شَجَرَةٌ، تسلقتُ شجرةً . مررتُ بشجرةٍ.
وأيضًا أحترز من تعريف وشروط تاء التأنيث الساكنة من تاء المتكلم ،مثل:أكلتُ:فهذه التاء التي في آخرِ الفعلِ ليست تاءَ التأنيثِ الساكنةِ ،ولكنها تاءٌ متحركةٌ، وهي ضميرٌ مبنيٌّ على الضمِّ في محلِّ رفعٍ فاعلٌ.لكن أَكَلَتْ: هذه تاء تأنيث ساكنة لامحلَّ لها من الإعراب . أَكَلَتْ زينبُ تفاحةً.
ومما تقدم يتبين لك أن علامات الفعل التي ذكرها المؤلف على ثلاثة أقسام :قسم يختص بالدخول على الماضي ، وهو تاءُ التأنيث الساكنة ، و قسم يختص بالدخول على المضارع ، وهو السين وسوف ، وقسم يشترك بينهما، وهو قَدْ .
و قد تركَ علامة فعل الأمر ، وهي دلالتُه على الطلبِ *– بنفسهِ - مع قبول ياء المخاطبةِ أو نون التوكيد ، نحو "قُمْ" و "اقْعُدْ" و " اكْتُبْ" و " انْظُرْ" فإن هذه الكلمات الأرْبَعَ دَالةٌ على طلب حصول القيام والقعود والكتابة والنظر ، مع قبولها ياء المخاطبة في نحو " قُومِي ، واقْعُدِي" أو مع قبولها نون التوكيد في نحو "اكُتُبَنَّ، وانْظُرَنَّ إلى مَا يَنْفَعُكَ ".
*فعل الأمر يدل على الطلب بنفسه بدون واسطة،لكن فعل المضارع ممكن يدل على الطلب لكن ليس بنفسه ويقبل ياء المخاطبَة المؤنثة ،ولكن بواسطة مثل لام الأمر. لتفعلي الخير : تفعل فعل مضارع واتصل به ياء المخاطبة ،ولكن اتصل بأوله لام الأمر بأصبح الفعل يدل على الطلب لما دخلت عليه لام الأمر.فهذا فعل مضارع دلَّ على الطلب لكن بواسطة لام .
وهذا الفرق بين فعل الأمر والفعل المضارع. فإذا دل الفعل على الطلب بنفسه أو بذاته وقبل نون التوكيد أوياء المخاطبة المؤنثة ، فهو فعل أمر.
لكن لو دل الفعل على الطلب بواسطة وقَبلَ نون التوكيد وياء المخاطبة المؤنثة ، فهو فعل مضارع.
إذا كانت الكلمة دلت على الطلب بنفسها ولكن لم تقبل نون التوكيد أوياء المخاطبة المؤنثة فهذا اسم فعل أمر مثل صهٍ بمعنى اسكت ،مهٍ : بمعنى اُكْفُفْ .
نزيد علامة من علامات الفعل المضارع: وهي قبول دخول نواصب الفعل المضرع وجوازمه. ا.هـ
«