سرد مناسك الحج
فضل الحج
فإن الحج من أفضل العبادات وأجل الطاعات؛ فهو أحد أركان الإسلام الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم، والذي لا يستقيم دين العبد إلا به.
ولما كانت العبادة لا يستقيم التقرب بها إلى الله ولا تكون مقبولة إلا بأمرين:
أحدهما: الإخلاص لله عز جل بأن يقصد بها وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد بها رياء ولا سمعة.
الثاني:المتابعة: اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيها قولاً وفعلاً.
لذلك فالواجب على من أراد أن يتعبد لله تعالى بعبادة -الحج أو غيره- أن يتعلم هدي النبي صلى الله عليه وسلم فيها ؛ حتى يكون عمله موافقًا للسنة
الحج في الاصطلاح: قصد البيت الحرام في زمن مخصوص بنية لأداء المناسك، من طواف، وسعي، ووقوف بعرفة، وغيرها.
قال البخاري في صحيحه
1449 حَدَّثَنَا آدَمُ ،قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ،قال: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ "صحيح البخاري - كِتَاب الْحَجِّ - لا لكن أفضل الجهاد حج مبرور هنا
*قال البخاري في صحيحه
1683 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،قال: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ"
صحيح البخاري - كِتَاب الْعُمْرَةِ - بَاب وُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَفَضْلِهَاهنا
"مامن مسلمٍ يلبِّي إلَّا لبَّى من عن يمينِه أو عن شمالِه من حجرٍ أو شجرٍ أو مدرٍ حتَّى تَنقطعَ الأرضُ من هاهنا وَهاهنا."الراوي : سهل بن سعد الساعدي-المحدث : الألباني-المصدر : صحيح الترمذي-الصفحة أو الرقم-828: خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر-
-يا رسولَ اللهِ، تُرَى الجِهادَ أفْضلَ العملِ، أفلا نُجاهِدُ ؟ قال : لكِنَّ أفضلَ الجِهادِ حَجٌّ مَبْرورٌ .الراوي : عائشة أم المؤمنين-المحدث : البخاري-المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم2784-خلاصة حكم المحدث : صحيح.الدرر.
"من طافَ بِهذا البيتِ أسبُوعًا فأحصاهُ ،كانَ كعِتقِ رقبةٍ ، لا يضعُ قدمًا ، و لا يرفعُ أخرى ، إلا حَطَّ اللهُ عنه بها خطيئةً ، و كَتب له بها حسنةً" .الراوي : عبدالله بن عمر -المحدث : الألباني-المصدر : صحيح الجامع -الصفحة أو الرقم6380-خلاصة حكم المحدث : صحيح.الدرر .
شروط وجوب الحج والعمرة
شروط وجوب الحج خمسة وهي :
الإسلام ـ البلوغ ـ العقل ـ الحرية ـ الاستطاعة .
والاستطاعة تنقسم إلى أربعة أنواع :
ـ الاستطاعة المادية :
فلابد من توافر المال الذي يحتاجه الحاج في سفره وتكاليف حجه حتى عودته، وتوافر المال الذي يتركه لذويه حتى يعود ، وذلك بعد سداد كل الديون أواستئذان الدائن .
وأما عن الدين الذي لم يحن أجله كأقساط البيع أو تسديد أقساط ؛ فلا بأس من الذهاب للحج دون استئذان .
ويشترط في هذا المال أن يكون حلالًا . فلا يجوز الحج من المال الحرام ، مثل مال الربا أو الرشوة أو البيع المحرم .
ـ الاستطاعة البدنية :
الحج يحتاج إلى بذل جهد ومشقة من تحمل تبِعات السفر ومناسك الحج ،والبعض يؤجل حجه إلى أن يكبر سنه ، وكأنه لا يليق به أن يكون حاجًا إلا أن يكون شيخًا كبيرًا وهذا مخالف للصواب حيث ينبغي المبادرة بالحج ما استطاع المرء إلى ذلك سبيلاً .
ومن كان لا يستطيع أداء المناسك بنفسه لمرض أو عجز أو كبر فيجوز أن يحج عنه غيره .
* فعن الفضل بن العباس ـ رضي الله عنهما ـ : أن امرأة من خثعم ، قالت : يا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال " نعم " . وذلك في حجة الوداع .
رواه الجماعة . أي رواه أصحاب الكتب الستة ومنهم البخاري ومسلم .
وقد قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمن أراد أن يحج عن شُبْرُمَة " حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة " .
رواه أبو داود عن ابن عباس وصححه الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع الصغير / ج : 1 / ص : 599 / حديث رقم : 3128
إذن فيشترط لمن أراد الحج عن غيره أن يكون قد حج عن نفسه أولاً ، ولا يحج عن الغير إلا إذا كان الغير ميتًا أو مَنْ عجزَ عن أداء المناسك بنفسه .
ـ الاستطاعة الأمنية :
فقديمًا كان المرءُ يخشى على نفسه قطع الطريق من اللصوص والمفسدين أو يخشى سبعًا أو وحشًا في الطريق ، فيسقط عنه الحج بنفسه حتى يأمن الطريق ، أما الآن فتتمثل الاستطاعة الأمنية في تصاريح السفر للمغادرة ودخول البلاد ، فقد يكون المرء ممنوعًا من السفر من بلده ، أو ممنوعًا من الدخول لأرض الحرمين .
ـ الاستطاعة الشرعية :
يسقط الحج إذا وجد مانع شرعي يمنع من السفر إلى الحج أو العمرة ، وأمثلة ذلك ما يلي :
*المرأة لا تجد مَحْرَمًا لها . فالصواب أن المرأة لا تسافر أي سفر بغير محرم .
* فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال " أن لا تسافر امرأة مسيرة يومين ليس معها زوجها أو ذو محرم " .
رواه البخاري ومسلم .
وأما القول بجواز سفر المرأة في صحبة آمنة من النساء ولو كانت طاعنة في السن ، فهذا قول مرجوح .
فقه السنة للشيخ سيد سابق / ج : 1 / ص : 535 .
* ومن الموانع الشرعية : أن يقوم المرء على خدمة من لا يستغني عنه وليس ثَمَّ بديل .
الاشتراط خشية العجز عن إكمال المناسك بعد الإحرام :يشرع لمن أراد الإحرام بالحج أو العمرة أن يشترط عند الإحرام ، إذا خاف أن يمنعه مانع من إتمام الحج والعمرة ، فيقول " اللهم محلي حيث حبستني "
والفائدة التي يستفيدها المحرم من ذلك : أنه إذا حصل له مانع يمنعه من إتمام النسك كمرض أو حادث ، أو مُنع من دخول مكة لسبب ما فإنه يتحلل من إحرامه وليس عليه شيء ، لا فدية ، ولا هدي ، ولا حلق الرأس .
ولولا هذا الاشتراط لكان مُحْصَرًا ، والمُحْصَر – وهو الممنوع من إتمام النسك – عليه أن يذبح هديًا ، ويحلق رأسه ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية لما منعه المشركون من دخول مكة ، فنحر النبي صلى الله عليه وسلم هديه ، وحلق رأسه ، وأمر الصحابة بذلك ، فقال لهم "قوموا فانحَرُوا ثم احْلِقُوا" رواه البخاري
الراوي : المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 2731 - خلاصة حكم المحدث : صحيح .الدرر *
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"أما فائدة الاشتراط : فإن فائدته أن الإنسان إذا حصل له ما يمنعه من إتمام نسكه تحلل بدون شيء ، بمعنى تحلل ، وليس عليه فدية ولا قضاء" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" 22/28 .
*دخل رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على ضُباعةَ بنتِ الزبيرِ فقال لها: لعلك أردتِ الحجَّ . قالت: واللهِ لا أجدُني إلا وَجِعَةً، فقال لها" حُجِّي واشترطي، قولي: اللهم محَلِّي حيث حبستني". وكانت تحتَ المقدادِ بنِ الأسودِ.الراوي : عائشة أم المؤمنين - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 5089 - خلاصة حكم المحدث : -صحيح-الدرر *
التعجيل بالحَجّ:
ينبغي للمؤمن أنْ يغتنم أيّ فرصة تأتي إليه لأداء مناسك الحَجّ، فإنه لا يدري ما يَعرضُ له من موانع تشغله أو تعوقه، وقد وردت الأحاديث التي تحث على التعجيل بالحَجّ فمِن ذلك:
• قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"تَعَجَّلُوا إلى الحَجِّ ، فإنَّ أحَدَكُمْ لا يَدرِي ما يَعرِضُ لَهُ"
الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح الجامع
الصفحة أو الرقم: 2957 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر*
تنبيه هام: نرى كثيرًا من الناس يُهمِلون أمرَ الحَجّ فيَدَّخِرون الأموال لملذاتهم وشهواتهم، والذهاب إلى الأندية وشواطئ البحار لقضاء العُطلات، وَهُم لم يؤدوا ما أمرهم الله به من الحَجّ والعُمرَة وغيرهما، وتلك بَلِيَّة ينبغي أنْ يُنَبَّهُ لها هؤلاء الغارقون في غفلاتهم ؛ عسى اللهُ أنْ يَهدِيَنا جميعًا.
هيئات وأنواع المناسك في الحج
من وصل إلى الميقات مريدًا للحج في أشهر الحج ،وهي شوال وذو القعدة وذو الحجة، فإنه مخيرٌ بين ثلاثة أنساك:
◀ الإفراد : وهو أن يهل بالحج فقط ، ويقول عند إحرامه : لبيك اللهم حجًا ، أو لبيك اللهم بحج .
فإذا وصل مكة طاف طواف القدوم، ثم سعى سعي الحج -وإن شاء أخر سعي الحج فيسعى بعد طواف الإفاضة- ولا يحلق ولا يقصر ولا يحل من إحرامه، بل يبقى على إحرامه حتى يحل منه بعد رمي جمرة العقبة.
والحاج المُفْرِد ليس عليه هديًا واجبًا .
ومن اعتمر في غير أشهر الحج ، ثم أهلَّ بالحج دون عمل عمرة في أشهر الحج يُعد مُفْرِدًا .
◀ التمتع : وهو أن يهلَّ ، بالعمرة في أشهر الحج " لبيك اللهم بعمرة " ثم يَحل من إحرامه بعد أداء العمرة، ثم يُهل بالحج في يوم التروِية " الثامن من ذي الحجة " . وسُمي بتمتع لأن الحاج يتمتع بما كان محظورًا عليه بالإحرام بعد انتهاء عمرته حتى بداية مناسك الحج .
والمتمتع يجب عليه هديٌ .فإن لم يجد فيصوم ثلاثةَ أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى بلده .
الواجب ألا يتأخر صوم الأيام الثلاثة عن أيام التشريق . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" يجوز أن يصوم الأيام الثلاثة في أيام التشريق، وهي الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر من ذي الحجة، ويجوز أن يصومها قبل ذلك بعد إحرام العمرة، ويجوز أن يصوم هذه الأيام الثلاثة متوالية ومتفرقة، لكن لا يؤخرها عن أيام التشريق. أما السبعة الباقية فيصومها إذا رجع إلى أهله، إن شاء صامها متوالية، وإن شاء متفرقة" انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" 24/ 376.
فإن لم يصم الأيام الثلاثة في الحج فعليه قضاؤها سواء كان ترك صيامها لعذر أو لغير عذر ، إلا أنه إذا كان غير معذور فقد أساء وعليه التوبة إلى الله ، بالندم على ما فعل ، والعزم على عدم فعل ذلك مرة أخرى .ا.هـ.
قال تعالى:
"فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ" البقرة 196.
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" 11/389 :
"اختلف أهل العلم في معنى : حاضري المسجد الحرام ، والراجح أنهم أهل الحرم.
*فمن كان من حاضري المسجد الحرم فإنه إذا تمتع بالعمرة إلى الحج فليس عليه هدي .مثل : لو سافر الرجلُ من أهل مكة إلى المدينة مثلاً في أشهر الحج ثم رجع من المدينة فأحرم من ذي الحُليفة بالعمرة مع أنه قد نوى أن يحج هذا العام فإنه لا هدي عليه هنا ؛ لأنه من حاضري المسجد الحرام ، وكذلك أهل مكة يمكن أن يقرنوا ولكن لا هدي عليهم مثل : أن يكون أحد من أهل مكة في المدينة ثم يحرم من ذي الحليفة في أيام الحج بعمرة وحج قارنًا بينهما ، فهذا قارن ولا هدي عليه أيضًا ، لأنه من حاضري المسجد الحرام" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" 22/ 70، 71 .
◀ القِران : وهو أن يُهلَّ بالحج والعمرة معًا من الميقات . فيقول : لبيك اللهم حجًا وعمرةً ،أو لبيك اللهم بحج وعمرة .وعمل القارن مثل عمل المُفْرِد سواء بسواء، إلا أن القارن عليه هدي، كالمتمتع، والمفْرِد لا هدي عليه.
فإذا وصل الحاج القارن مكة طاف طواف القدوم، ثم سعى سعي الحج -وإن شاء أخر سعي الحج فيسعى بعد طواف الإفاضة- ولا يحلق ولا يقصر ولا يحل من إحرامه، بل يبقى على إحرامه حتى يحل منه بعد رمي جمرة العقبة.
ففي القِرَان تندرج أفعال العمرة في أفعال الحج،ويُسن للقارن أن يسوق الهدي قبل الميقات .
*والقارن كالمتمتع، لإحرامه بالنسكين .فمن حجّ متمتعًا ، أو قارنًا ، وجبَ عليه أن يذبحَ هديًّا ، متى كان واجدًا له ، وإلا صام بدلًا عنه كما سبق تفصيله عند شرح نسك التمتع.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" هدي التمتع والقِران لا يجوز ذبحه إلا في الحرم.
وأفضل النسك التمتع :
يُسن لمن قَدِم للحج أن يتمتع بالعمرة إلى الحج إذا كان قدومُه بعد رمضان يريدُ الحج، فالسنة له أن يحرم بعمرة ,ويطوف، ويسعى، ويقصر ثم يُحل ثم يلبي بالحج يوم الثامن كما أمر النبي أصحابه- عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع، أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة، فيطوفوا، ويسعَوا، ويقصروا، ويُحِلوا. قال جابر: فطفنا، وسعينا، وباشرنا النساء، ثم أحرمنا بالحج يوم التروية..ابن باز *
- "لوِ استَقبلتُ من أمري ما استَدبرتُ ، لم أسقِ الهديَ ، وجعلتُها عمرةً ، فمَن لم يَكُن معَهُ هديٌ فليَحلُلْ ، وليجعَلها عمرةً . وقدمَ عليٌّ منَ اليمنِ بِهَديٍ ، وساقَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ، منَ المدينةِ هديًا .وإذا فاطمةُ قد لبِسَت ثيابًا صَبيغًا واكتَحَلت . قالَ : فانطلقتُ مُحرِّشًا أستفتي رسولَ اللَّهِ، فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ : إنَّ فاطمةَ لبسَت ثيابًا صبيغًا، واكتَحلَت، وقالت: أمرَني بِهِ أبي قالَ : صدَقَت ، صدَقَت ، صَدقَت، أَنا أمرتُها"
الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : الألباني - المصدر : صحيح النسائي-الصفحة أو الرقم: 2711 - خلاصة حكم المحدث : صحيح-الدرر*
- قدِمْتُ مكةَ متمتِّعًا بعمرةٍ . قبل الترويةِ بأربعةِ أيامٍ . فقال الناسُ : تصير حجتُك الآنَ مكيَّةً . فدخلتُ على عطاءِ بنِ أبي رباحٍ فاستفتيتُه . فقال عطاءٌ : حدَّثني جابرُ بنُ عبدِاللهِ الأنصاريُّ رضي اللهُ عنهم ؛ أنه حجَّ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عام ساقَ الهديَ معه . وقد أهلّوا بالحجِّ مفردًا . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " أحِلُّوا من إحرامِكم . فطوفوا بالبيتِ وبين الصفا والمروةِ . وقصِّروا . وأقيموا حلالًا حتى إذا كان يومُ الترويةِ فأهِلُّوا بالحجِّ . واجعلوا التي قدمتُم بها متعةً " . قالوا : كيف نجعلُها متعةً وقد سمَّينا الحجَّ ؟ قال : افعلوا ما آمرُكم به . فإني لولا أني سُقتَ الهديَ ، لفعلتُ مثلَ الذي أمرتُكم به . ولكن لا يحلُّ مني حرامٌ . حتى يبلغ الهديُ مَحِلَّه "ففعلوا .الراوي : جابر بن عبدالله - المحدث : مسلم - المصدر : صحيح مسلم-الصفحة أو الرقم: 1216 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر.
الشرح
يَحكي جَابِرٌ رضي اللهُ عنه أنَّه حجَّ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ ساقَ البُدْنَ معَه مِن المدينةِ إلى مَكَّةَ في حَجَّةِ الوَداعِ وقد أهلُّوا بالحَجِّ مُفرِدين، أي: أَحرَموا مُفرِدين بالحَجِّ، فأخبَرَهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِندَ قُدومِهم إلى مَكَّةَ أن يَحِلُّوا من إحرامِهِم، أي: يَفسَخوا الحَجَّ إلى العُمرةِ، ويَتحلَّلوا مِن عُمرَتِهم بالطَّوافِ والسَّعيِ، ثمَّ يُقيموا حلالًا، يحلُّ لهُم كُلُّ شَيء حتَّى الجِماع، حتَّى إذا كانَ يوم التَّرويةِ، وهو اليومُ الثَّامِن من ذي الحِجَّةِ فيُهلُّوا، أي يُحرِموا بالحَجِّ، ويَتَوجَّهوا إلى عَرَفَةَ، ويَجعَلوا الَّتي قَدِموا بها مُتعةً، أي: تَمتُّعًا بالعُمرةِ، ولولا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ساقَ الهَديَ لفَعَلَ مثلَ الَّذي أمَرَهُم وفَسَخَ الحَجَّ إلى العُمرةِ، ولكِن لا يَحلُّ في شَيء من مَحظوراتِ الإحرامِ حتَّى يَصِلَ الهديُ إلى المَكانِ الَّذي يُنحَر فيه بِمِنًى يومَ النَّحرِ.- الدرر.
*قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين :فهذا صريح في تفضيل التمتع على غيره من الأنساك لقوله صلى الله عليه وسلّم «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسُق الهديَ»، ولم يمنعه من الحِلِّ إلاّ سوقُ الهدي، ولأنّ التمتُّع أيسر على الحاج، حيث يتمتع بالتحلل بين الحج والعمرة، وهذا هو الذي يُوافق مُرادَ الله عزّ وجل حيث قال سبحانه"يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"البقرة:185، . هذا وقد يُحرم الحاج بالعمرة متمتعًا بها إلى الحج، ثم لا يتمكن من إتمامها قبل الوقوف بعرفة، ففي هذه الحال يُدْخِل الحجَّ على العمرةِ قبل الشروعِ في طوافِها ويصير قارنًا.
ولذلك مثالان:
المثال الأول: امرأةٌ أحرمت بالعمرة متمتعة بها إلى الحج، فحاضت أو نَفِست قبل أن تطوف، ولم تَطهُر قبل وقت الوقوف بعرفة، فإنّها تُحرم بالحج وتصير قارنة، وتفعل ما يفعله الحاج، غير أنّها لا تطوف بالبيت، ولا تسعى بين الصفا والمروة حتى تطهر وتغتسل.
المثال الثاني: شخص أحرم بالعمرة متمتعًا بها إلى الحج، فلم يتمكن من الدخول إلى مكة قبل وقت الوقوف بعرفة، فإنّه يُدخِلُ الحج على العمرة ويصير قارنًا لتعذُّر إكمال العمرة منه.العثيمين *
الحج شرعًا
الحج في الشرع قصدٌ مخصوصٌ في وقتٍ مخصوصٍ لفعلِ نسكٍ مخصوصٍ .
" الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ" . سورة البقرة / آية : 197 .
أشهر الحج : شوال، وذو القعدة ، وذو الحجة
الحج ركن من أركان الإسلام " وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً" آل عمران 97 .
الاستعداد للإحرام
يمكن قص الأظافر وحلق العانة ونتف الإبط وذلك ليس بنسك ولكن لعدم استطاعة فعل ذلك بعد الإحرام وقبل التحلل .
أركان الحج وواجباته
الإحرام ـ الوقوف بعرفة ـ طواف الإفاضة ـ السعي .
*أركان الحج أربعة :
- الإحرام : وهو نية الدخول في النسك والتلبس به بالإهلال : لبيك اللهم بـ.....
- الوقوف بعرفة ، لحديث "الحج عرفة" .
- طواف الإفاضة ، لقوله تعالى "وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ "الحج 29.
- السعي ، لحديث "اسعَوْا ، فإنَّ اللهَ كتبَ عليكم السَّعيَ"رواه أحمد وصححه الألباني * هنا *.
* من ترك ركنًا: لا يَتِم نسكُه إلا إذا أتى به . ولو لم يأتِ به الحاج فقد بطُلَ حجُّهُ.
*واجبات الحج سبعة :
- الإحرام من الميقات.
- الوقوف بعرفة إلى الغروب على من وقف نهارًا- الوقوف نفسه ركن لكن زمن الوقوف الذي هو للغروب واجب -
- المبيت بمنى لغير أهل السقاية والرعاية ليالي أيام التشريق
- المبيت بمزدلفة إلى بعد منتصف الليل لمن أدركها قبله على غير السقاة والرعاة .والرمي مرتبًا .والحلق أو التقصير
-طواف الوداع .
والواجب: إذا لم يأت به الحاج فإن حجه صحيح وعليه دم -على خلاف وتفصيل بكتب الفقه .
السنة :
ما سوى الأركان والواجبات فهو مسنون .
مثل : الاغتسال ، الصلاة قبل الإهلال ، استلام الحجر الأسود ، .....
والمسنون إذا لم يأتِ الحاجُّ به فحجُّه صحيح، وليس عليه شيءٌ.
محظورات الإحرام
محظورات الإحرام : هي الممنوعات التي يمنع منها الإنسان بسبب الإحرام ، ومنها :
- حلق شعر الرأس ، لقوله تعالى "وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ "البقرة/196 ، وألحق العلماء بحلق الرأس حلق سائر شعر الجسم ، وألحقوا به أيضًا تقليم الأظافر ، وقصها .
- استعمال الطيب بعد عقد الإحرام ، سواء في ثوبه أو بدنه . فاستعمال الطيب محظورٌ في الإحرام ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته "ولا تُمِسُّوهُ بِطِيبٍ" - أنَّ رجُلا كانَ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، فَوَقَصَتْهُ ناقتُهُ وهوَ محْرِمٌ فماتَ ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : اغْسِلُوهُ بماءٍ وسدْرٍ ، وكَفِّنُوهُ في ثَوْبَيهِ ، ولا تُمِسُّوهُ بِطِيبٍ ، ولا تُخَمِّرُوا رأْسَهُ ، فإنَّهُ يُبْعَثُ يومَ القيامةِ مُلَبِّيًا .الراوي : عبدالله بن عباس - المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري-الصفحة أو الرقم: 1851 - خلاصة حكم المحدث :صحيح -الدرر*
- الجماع . لقوله تعالى"فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ" البقرة/197
- المباشرة لشهوة . لدخولها في عموم قوله "فَلَا رَفَثَ" ولأنه لا يجوز للمحرم أن يتزوج ولا أن يخطب ، فلا يجوز أن يباشر من باب أولى .
- قتل الصيد . لقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ" المائدة/95 ، وأما قطع الشجر فليس بحرام على المحرم ، إلا ما كان داخل الأميال-وهي حدود الحرم- ، سواء كان مُحْرِمًا أو غير محرم ، ولهذا يجوز في عرفة أن يقلع الأشجار ولو كان محرمًا ، لأن قطع الشجر متعلق بالحَرَم لا بالإحرام .
- من المحظورات الخاصة بالرجال لبس القميص والبرانس والسراويل والعمائم والخفاف ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل ما يلبس المحرم ؟
"أن رجلاً قال: يا رسولَ اللهِ، ما يلبَسُ المحرمُ من الثيابِ؟ قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:لا تلبَسوا القُمُصَ, ولا العمائِمَ، ولا السرويلات، ولا البَرانِسَ، ولا الخفافَ، إلا أحدٌ لا يجدَ النعلين فليلبَسْ خفين، وليقطعْهما أسفلَ من الكعبين، ولا تلبَسوا من الثيابِ شيئًا مسَّه الزعفران ولا الورْسُ" .الراوي : عبدالله بن عمر- المحدث : البخاري - المصدر : صحيح البخاري -الصفحة أو الرقم: 5803 - خلاصة حكم المحدث : -صحيح- الدرر *
إلا أنه صلى الله عليه وسلم استثنى من لم يجد إزارًا فليلبس السراويل ، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين .
- أنه سَمِعَ النبيَّ صلى الله عليه و سلم يقول بعرفاتٍ: فقال" مَن لم يجدْ إزارًا فلْيلبَسِ السراويلَ ، ومَن لم يجدْ نعلين فلْيلبَسْ خُفَّيْنِ".
الراوي : عبدالله بن عباس- المحدث : الألباني - المصدر : صحيح النسائي
-الصفحة أو الرقم: 5340 - خلاصة حكم المحدث : صحيح- الدرر -
وهذه الأشياء الخمسة صار العلماء يعبرون عنها بلبس المخيط ، وقد توهم بعض العامة أن لبس المخيط هو لبس ما فيه خياطة ، وليس الأمر كذلك ، وإنما قصد أهل العلم بذلك أن يلبس الإنسان ما فصل على البدن ، أو على جزء منه كالقميص والسراويل ، هذا هو مرادهم ، ولهذا لو لبس الإنسان رداءً مرقّعا ، أو إزارًا مرقّعا فلا حرج عليه ، ولو لبس قميصًا منسوجًا بدون خياطة كان حرامًا .
- ومن محظورات الإحرام وهو خاص بالمرأة النقاب والقفازين، وهو أن تغطي وجهها ، وتفتح لعينيها ما تنظر به ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهي عنه ، ومثله البرقع ، فالمرأة إذا أحرمت لا تلبس النقاب ولا البرقع ، والمشروع أن تكشف وجهها إلا إذا مرّ الرجال غير المحارم بها ، فالواجب عليها أن تستر وجهها ولا يضرها إذا مس وجهها هذا الغطاء .وتستر يديها بغير القفازين وبغير مخيط.
وبالنسبة لمن فعل هذه المحظورات ناسيًا أو جاهلاً أو مكرهًا ، فلا شيء عليه ، لقول الله تعالى " وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ"الأحزاب/5 .
وقال تعالى في قتل الصيد وهو من محظورات الإحرام "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ " المائدة /95 فهذه النصوص تدل على أن من فعل المحظورات ناسيًا أو جاهلاً فلا شيء عليه .
وكذلك إذا كان مكرهًا لقوله تعالى "مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ "النحل / 106 .فإذا كان هذا من الإكراه على الكفر ، فما دونه أولى .
ولكن إذا ذُكِّر من كان ناسيًا وجب عليه الإسراع بالتخلي عن المحظور ، وإذا علم من كان جاهلاً وجب عليه الإسراع بالتخلي عن المحظور ، وإذا زال الإكراه عمن كان مكرهًا وجب عليه الإسراع بالتخلي عن المحظور ، مثال: ذلك لو غطى المحرم رأسه ناسيًا ثم ذكر فإنه يزيل الغطاء ، ولو غسل يده بالطيب ثم ذكر وجب عليه غسلها حتى يزول أثر الطيب وهكذا .
مقطفات من كتاب فتاوى منار الإسلام للشيخ ابن عثيمين ج/2 ص/391- 394 . المعلومة كاملة *هنا*
http://www.saaid.net/mktarat/hajj/0013.htm