هل صحيح أنَّ مَن يردِّد خلف المؤذِّن يأخذ أجر كل المصلين الذين يصلون بالمسجد ؟
ما صحة هذه المعلومة ؟
الأذان له علاقة بالخشوع ، وذلك أننا إذا أنقصنا مِن الخشوع أنقصنا مِن أجر صلاتنا ، فإذا كانت صلاتُنا ينقص أجرها بسبب السرَحَان ، فالأذان فُرصة لكي تضاعف صلاتك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المؤذِّن : (وله أجر مَن صلى معه) ، فيمكنك أن تأخذ مثل أجر المؤذِّن (قال رجلٌ للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إن المؤذِّنين يفضلوننا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل مثلما يقولون ) يعني لك مثل أجره إذا رددت خلف المؤذِّن ، فتخيَّـل أنك تردِّد خلف المؤذِّن وتأخذ أجر جميع المصلِّين في المسجِد .
فتخيَّـل أنك لو رددت خلف مؤذِّن الحرم ؟ فستأخذ أجر المصلِّين في كل الحرم ، وصلاتهم بمئة ألف .
الجواب :
هذا غير صحيح ؛ لأنه مبني على فَهْم حديث ضعيف ، وهو " وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ " ، وهذا الحديث رواه الإمام أحمد ، وإسناد هذه الزيادة ضعيف . كما قال الشيخ شعيب الأرنؤوط . وأشار إلى ضعفها الحافظ ابن رجب في " فتح الباري " .
وأما ما يفضله المؤذنون ، ففي ثلاثة أشياء : المغفرة له مدّ صوته ، وتصديق مَن سمعه له ، وطُول الأعناق يوم القيامة .
لقوله عليه الصلاة والسلام : الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ، وَيُصَدِّقُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ . رواه الإمام أحمد والنسائي . وقال الهيثمي : رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْبَزَّارُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: " وَيُجِيبُهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ ". وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ .
وصححه الألباني والأرنؤوط .
ولقوله عليه الصلاة والسلام : الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ . رواه مسلم .
ومَن تابَع المؤذِّن في الأذان ، فلَه مثل أجْر المؤذِّن .
ولَمّا قال رجل : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا . قَالَ : قُلْ كَمَا يَقُولُونَ ، فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَهْ . رواه أبو داود ، وصححه الألباني .
ومَن تابَع المؤذِّن في الأذان ، ثم سأل الله الوسيلة للنبي صلى الله عليه وسلم ، حَلَّت له شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم .
قال عليه الصلاة والسلام : إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ . رواه مسلم .
وسبق :
إذا فاتني الترديد مع المؤذن في بعض الأذان ، فهل يُشرَع لي الذِكر الذي بعد الأذان ؟
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ / عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد . هنا *
السؤال:
سمعت أحد المشايخ يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن المؤذن " وله أجر من صلى معه " ، وأنه قال رجل للنبي عليه الصلاة والسلام : إن المؤذنين يفضلوننا ، فقال عليه الصلاة والسلام " قل كما يقولون " ، فقال الشيخ : " فإذا رددت الأذان خلف مؤذن الحرم مثلا كان لك مثل أجر من صلى معه في الحرم " ؛ فهل استنباطه هذا صحيح ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى النسائي (646) من طريق قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْكُوفِيِّ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ ، وَالْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ بِمَدِّ صَوْتِهِ وَيُصَدِّقُهُ مَنْ سَمِعَهُ مِنْ رَطْبٍ وَيَابِسٍ ، وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ صَلَّى مَعَهُ ) .
قال ابن الملقن في " البدر المنير " (3/ 385): " إسناده جيد " ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .
لكن الحديث أعلَّه ابن رجب بقوله : " وأبو إسحاق هذا ، قال أحمد : ما أظنه السبيعي . وذكر الترمذي في " العلل " أنه لا يعرف لقتادة سماعاً من أبي إسحاق الكوفي " انتهى ، من " فتح الباري " - لابن رجب (5/ 226) .
وأعلّه - أيضا - من المعاصرين : الشيخ مُقِبل الوادعي ، رحمه الله في كتابه : " أحاديث معلة ظاهرها الصحة " برقم (56) .
وقال محققو مسند الإمام أحمد ، ط الرسالة : " حديث صحيح دون قوله : " وله مثل أجر من صلى معه " انتهى من " حاشية المسند " (30/446) .
قال السندي رحمه الله :
" قَوْله : ( مَنْ صَلَّى مَعَهُ ) أَيْ : إِنْ كَانَ إِمَامًا ، أَوْ مَعَ إِمَامه إِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا بِإِمَامٍ آخَر، لِحُكْمِ الدَّلَالَة ، لَكِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُخَصّ بِمَنْ حَضَرَ بِأَذَانِهِ ، وَالْأَقْرَب الْعُمُوم ، َخْصِيصًا لِلْمُؤَذِّنِ بِهَذَا الْفَضْل ، وَفَضْل اللَّه أَوْسَع ، وَاَللَّه تَعَالَى أَعْلَم " انتهى من " حاشية السندي على سنن النسائي " (2/ 13) .
ثانيا :
روى أبو داود (524) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، أَنَّ رَجُلًا ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا ، فَقَالَ : رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قُلْ كَمَا يَقُولُونَ فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَهْ ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وروى الطبراني في " الكبير" (802) عن مُعَاوِيَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (مَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ فَقَالَ مِثْلَ مَا يَقُولُ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ) .
قال المنذري رحمه الله :
" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن الْحِجَازِيِّينَ ، لَكِن مَتنه حسن ، وشواهده كَثِيرَة " انتهى من " الترغيب والترهيب " (1/ 115) .
وضعفه الألباني في " ضعيف الترغيب والترهيب " (168) .
وعلى فرض ثبوت هذا اللفظ ، والحديث الذي قبله : فليس معناه : أن له مثل أجره سواء بسواء ، ولكن : من حيث أصل الأجر ، فالمِثْلية لا تقتضي المساواة من كل وجه .
قال المناوي رحمه الله :
" (فله مثل أجره) أي فله أجر كما للمؤذن أجر ، ولا يلزم منه تساويهما في الكم والكيف " انتهى من " فيض القدير " (6/ 155) .
وهذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : ( صُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ، فَإِنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ ) رواه البخاري (1976)، ومسلم (1159) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَوْله : ( مِثْل صِيَام الدَّهْر ) : يَقْتَضِي أَنَّ الْمِثْلِيَّةَ لَا تَسْتَلْزِمُ التَّسَاوِي مِنْ كُلّ جِهَة لِأَنَّ الْمُرَاد بِهِ هُنَا : أَصْلُ التَّضْعِيفِ ، دُونَ التَّضْعِيفِ الْحَاصِلِ مِنْ الْفِعْل , وَلَكِنْ يَصْدُقُ عَلَى فَاعِل ذَلِكَ أَنَّهُ صَامَ الدَّهْر مَجَازًا " انتهى من " فتح الباري " (4/ 220) .
وروى الترمذي (2325) وصححه ، عن أبي كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيُّ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ ، عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا ، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ ... ) الحديث .
قال ابن القيم رحمه الله في " عدة الصابرين " (ص 255) : " قوله (وأجرهما سواء) فإن كلا منهما نوى خيرا وعمل ما يقدر عليه ، فالغنى نواه ونفذه بعلمه ، والفقير العالم نواه ونفذه بلسانه ، فاستويا في الأجر من هذه الجهة ، ولا يلزم من استوائهما في أصل الأجر، استواؤهما في كيفيته وتفاصيله ، فإن الأجر على العمل والنية ، له مزية على الأجر على مجرد النية التي قارنها القول ، ومن نوى الحج ولم يكن له مال يحج به ، وإن أثيب على ذلك ؛ فإن ثواب من باشر أعمال الحج مع النيه : له مزية عليه " انتهى .
وعلى ذلك : فلا يقال : " من ردد الأذان خلف مؤذن الحرم كان له مثل أجر من صلى معه في الحرم " ، وإنما له مثل أجر المؤذن من حيث أصل الأجر ، لا من حيث تضعيفه .
وهذا التخريج على فرض ثبوت الحديث ، وإلا فقد سبق الكلام في كلا اللفظين .
راجع للفائدة إجابة السؤال رقم : (149053) .
والله أعلم .
* موقع الإسلام سؤال وجواب *